Monday, August 13, 2012

في ظلال القران - سورة الحج - أية (11)

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) 

المصير البائس لمن يعبد الله على حرف 

إن العقيدة هي الركيزة الثابتة في حياة المؤمن , تضطرب الدنيا من حوله فيثبت هو على هذه الركيزة ونتجاذبه الأحداث والدوافع فيتشبث هو بالصخرة التي لا تتزعزع ; وتتهاوى من حوله الأسناد فيستند هو إلى القاعدة التي لا تحول ولا تزول .
هذه قيمة العقيدة في حياة المؤمن . ومن ثم يجب أن يستوي عليها , متمكنا منها , واثقا بها , لا يتلجلج فيها , ولا ينتظر عليها جزاء , فهي في ذاتها جزاء . ذلك أنها الحمى الذي يلجأ إليه , والسند الذي يستند عليه . أجل هي في ذاتها جزاء على تفتح القلب للنور , وطلبه للهدى . ومن ثم يهبه الله العقيدة ليأوي إليها , ويطمئن بها . هي في ذاتها جزاء يدرك المؤمن قيمته حين يرى الحيارى الشاردين من حوله , تتجاذبهم الرياح , وتتقاذفهم الزوابع , ويستبد بهم القلق . بينما هو بعقيدته مطمئن القلب , ثابت القدم , هادى ء البال , موصول بالله , مطمئن بهذا الاتصال .
أما ذلك الصنف من الناس الذي يتحدث عنه السياق فيجعل العقيدة صفقة في سوق التجارة: (فإن أصابه خير اطمأن به)وقال:إن الإيمان خير . فها هو ذا يجلب النفع , ويدر الضرع , وينمي الزرع , ويربح التجارة , ويكفل الرواج (وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة). . خسر الدنيا بالبلاء الذي أصابه فلم يصبر عليه , ولم يتماسك له , ولم يرجع إلى الله فيه . وخسر الآخرة بانقلابه على وجهه , وانكفائه عن عقيدته , وانتكاسه عن الهدى الذي كان ميسرا له .
والتعبير القرآني يصوره في عبادته لله (على حرف)غير متمكن من العقيدة , ولا متثبت في العبادة . يصوره في حركة جسدية متأرجحة قابلة للسقوط عند الدفعة الأولى . ومن ثم ينقلب على وجهه عند مس الفتنة , ووقفته المتأرجحة تمهد من قبل لهذا الانقلاب !
إن حساب الربح والخسارة يصلح للتجارة , ولكنه لا يصلح للعقيدة . فالعقيدة حق يعتنق لذاته , بانفعال القلب المتلقي للنور والهدى الذي لا يملك إلا أن ينفعل بما يتلقى . والعقيدة تحمل جزاءها في ذاتها , بما فيها من طمأنينة وراحة ورضى , فهي لا تطلب جزاءها خارجا عن ذاتها.

Friday, July 27, 2012

في ظلال القران .. سورة الكهف

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)

 
يضرب القرآن الأمثال للناس ; ويقرب إلى حسهم معانيه الكبرى بوضعها في صور ومشاهد , ومحسوسات ذات مقومات وخصائص وأشكال على مثال هذا المثال .
والبحر في هذا المثال يمثل علم الإنسان الذي يظنه واسعا غزيرا . وهو - على سعته وغزارته - محدود . وكلمات الله تمثل العلم الإلهي الذي لا حدود له , والذي لا يدرك البشر نهايته ; بل لا يستطيعون تلقيه وتسجيله . فضلا على محاكاته .

ولقد يدرك البشر الغرور بما يكشفونه من أسرار في أنفسهم وفي الآفاق , فتأخذهم نشوة الظفر العلمي , فيحسبون أنهم علموا كل شيء , أو أنهم في الطريق !
ولكن المجهول يواجههم بآفاقه المترامية التي لا حد لها , فإذا هم ما يزالون على خطوات من الشاطيء , والخضم أمامهم أبعد من الأفق الذي تدركه أبصارهم !

إن ما يطيق الإنسان تلقيه وتسجيله من علم الله ضئيل قليل , لأنه يمثل نسبة المحدود إلى غير المحدود .
فليعلم الإنسان ما يعلم ; وليكشف من أسرار هذا الوجود ما يكشف . . ولكن ليطامن من غروره العلمي , فسيظل أقصى ما يبلغه علمه أن يكون البحر مدادا في يده . وسينفد البحر وكلمات الله لم تنفد ; ولو أمده الله ببحر مثله فسينتهي من بين يديه وكلمات الله ليست إلى نفاد . .
وفي ظل هذا المشهد الذي يتضاءل فيه علم الإنسان ينطلق الإيقاع الثالث والأخير في السورة , فيرسم أعلى أفق للبشرية - وهو أفق الرسالة الكاملة الشاملة . فإذا هو قريب محدود بالقياس إلى الأفق الأعلى الذي تتقاصر دونه الأبصار , وتنحسر دونه الأنظار:
)قل:إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا , ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). .
إنه أفق الإلوهية الأسمى . . فأين هنا آفاق النبوة , وهي - على كل حال - آفاق بشريته ?
)قل:إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي . . .). . بشر يتلقى من ذلك الأفق الأسمى . بشر يستمد من ذلك المعين الذي لا ينضب . بشر لا يتجاوز الهدى الذي يتلقاه من مولاه . بشر يتعلم فيعلم فيعلم . . فمن كان يتطلع إلى القرب من ذلك الجوار الأسنى , فلينتفع بما يتعلم من الرسول الذي يتلقى , وليأخذ بالوسيلة التي لا وسيلة سواها:
)فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).